في الجزء السادس من سلسلة مقالاتنا للاحتفال بالذكرى العاشرة لثورة روج آفا. حاولنا تسليط الضوء على التحديات والصعوبات البيئية التي تواجهها شمال وشرق سوريا. بطرح عدد من الأسئلة على الناشط اسماعيل ديريك المتخصص في المجال البيئي.
استندت ثورة روج آفا على نظرية الكونفدرالية الديمقراطية، بحسب فلسفة المفكر عبد الله أوجلان ومن ركائز الكونفدرالية الديمقراطية هي النموذج البيئي، فماذا يعني ذلك بالتحديد في روج آفا؟
نحاول هنا تطبيق فكرة “الأمة الديمقراطية”. بالاستناد إلى نظام كونفدرالي يهدف إلى بناء مجتمع تعددي بيئي متساوٍ وخالٍ من تمييز جنس على حساب الآخر، لهذا فأن البيئة هي حجر الأساس في نموذجنا ومنظورنا.
أما بالنسبة لمفاهيمنا في ثورة روج آفا، فنحن ندرك أن قضية البيئة لم تحظ بالاهتمام الكافِ، ومع ذلك لا يمكن التجاوز بأننا اتخذنا بعض الخطوات المهمة في هذا المجال- فعلى سبيل المثال – نحن نعمل باستمرار على ترسيخ الوعي البيئي في المجتمع، من خلال إنشاء المرافق العامة والتعاونيات وفقاً للمعايير البيئية، نحاول نشر الوعي بالاهتمام بالنظافة في المدن – فعلى سبيل المثال- نعمل على إنشاء المزيد من المساحات الخضراء، والتي يجب أن تكون أيضاً بمثابة أماكن للتنزه.
وعلى المستوى المؤسساتي، أنشأنا مديريات للبيئة في البلدات والمدن التي تتعامل مع القضايا البيئية المحلية بالإضافة إلى ذلك تم تعميم إرشادات وتوجيهات بيئية عامة يجب مراعاتها من قبل المؤسسات التجارية ويتم التحقق من تطبيق هذه التوجيهات من قبل اللجان والهيئات المسؤولة في البلديات وإدارات المدن.
هذه كلها مجرد خطوة أولى، لكننا نحاول باستمرار تعزيز العمل في مجال البيئة وجعله واضحاً في كل مكان.
لقد أفدتنا بعض من الأعمال التي قمتم وتقومون ها. ومع ذلك فأن الأشخاص الذين يأتون إلى روج آفا بقصد الزيارة يتفاجؤون بشكل واضح بمشكلة القمامة في المدن الكبرى، ما هو السبب؟ ولماذا لا يمكن إيجاد حل لهذه المشكلة؟
مشكلة النفايات مشكلة عالمية ولا تقتصر على مناطقنا فقط. فسابقاً لم يكن النظام يولي أهمية لمشكلة معالجة النفايات، لذلك كانت المنطقة تفتقر إلى أبسط الأمور في البنية التحتية للتخلص من النفايات.
ومع بداية الثورة أصبحت الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة لنا، لأنه كان هناك نقص في الأموال والإمكانيات لإيجاد حلول لهذه المشكلة. في الواقع كل شيء كان ينقصنا، ولم يكن لدينا ما يكفي من حاويات للقمامة في الشوارع، واليوم عملنا يسير بشكل أفضل، لكن الحلول لا تزال غير مرضية للأسف، نحن نهتم بحل هذه المشكلة على مستويين: من ناحية نقوم بنشر الوعي والتعليمات ونريد من ذلك توعية الناس بضرورة فرز النفايات لتتم فرزها والاستفادة من تكرير ما يتم تكريره والتخلص من الباقي – من ناحية أخرى – نحاول إنشاء البنية التحتية المناسبة للتخلص من النفايات في المدن وفي البلدات.
النفط مصدر مهم للدخل بالنسبة لروج آفا- ومع ذلك- فأن معالجة النفط الخام في روج آفا أصبح ضاراً بالبيئة والصحة العامة في ظل عدم توافر المصافي، كيف تتعاملون مع هذه المشكلة؟
بالنسبة لمشكلة استخراج النفط بالطرق البدائية فنحن نعاني من هذه المسألة كثيراً، حيث هناك مشكلة أن المنطقة تخضع لحظر اقتصادي وليس لدينا أي فرصة لبناء مصافي حديثة هنا تعمل وتكون صديقة للبيئة، لذلك نحن نعمل بجد لتقليل الضرر الناجم عن معالجة النفط من خلال إلزام مشغلي المصافي بتحسين جودة المعالجة وتحويلها إلى عملية كهربائية وفي حالة حدوث مخالفات، ونقوم بفرض رسوم جزائية. كما تجري مناقشات مع السلطات المعنية لإيجاد حلول أقل ضرراً بالبيئة.
يعد نقص المياه مشكلة كبيرة في شمال وشرق سوريا. تقوم تركيا ببناء السدود على الأنهار، ويزداد المناخ جفافاً، وهناك تراجع في المحاصيل، ما هي الحلول التي يمكن اتخاذها لحل هذه المشاكل؟
يريد الاحتلال التركي أن يجبرنا على الاستسلام بسياسة متعمدة من خلال إنقاص منسوب المياه حيث أنهم يستخدمون الماء كسلاح، ضد المدنيين، ويريدون محاولة تحقيق أهدافهم التي فشلت من الناحية العسكرية ضد قواتنا، فهدفهم واضح للغاية.
ويتم إيجاد حلول مناسبة لهذه المشكلة على سبيل المثال نبني خزانات كبيرة لجمع مياه الأمطار ومعالجتها، وبالطبع نحاول أيضاً تثقيف المجتمع لمواكبة تطور الأوضاع في مناطقنا وتوعيته لاستخدام احتياطيات مياه الشرب بوعي وعدم هدرها.
كما عقد العام الماضي منتدى دولي للمياه حيث شارك فيها أكثر من 50 منظمة دولية لتسليط الضوء على شح المياه في المنطقة بسبب ممارسات الاحتلال التركي تجاه المنطقة، وبالطبع سنواصل إجراء التحقيقات والدراسات لإيجاد حلول لهذا الوضع الخطير في مناطق شمال وشرق سوريا وبدء التغيير الديموغرافي الشامل، فنحن نعتبر الحرمان من المياه مشكلة تؤثر بشكل كبير على المنطقة، لا سيما مدينة الحسكة وأريافها حيث تم قطعها ليس فقط عن الأراضي الزراعية والحيوانات فحسب، ولكنه أيضًا بالنسبة للأنهار المحيطة، فإن النتائج ستكون كارثية في المنطقة وعلى النظام البيئي بأكمله.
كيف يتم تنظيم القطاع البيئي في شمال وشرق سوريا؟ هل هناك مجالس تخص البيئة بشكل خاص؟ وما هو الدور الذي تلعبه مجالس المدن في العمل على البيئة؟
في الواقع ، نحن في مرحلة إعادة الهيكلة في مجال الأعمال البيئية وحتى الآن تم تنظيم المنطقة بشكل أساسي من قبل إدارات المدينة المحلية وبالإضافة إلى ذلك، هناك مديريات بيئية في المدن، وهي على اتصال وثيق بإدارات المدينة، ومكلفة بالتنسيق العملي على مستوى الإدارة الذاتية المستقلة. هناك مجال مسؤولية “الحكومة المحلية والبيئة” داخل المجلس التنفيذي، هذا إذا جاز التعبير، تعتبر أعلى مستوى لتنسيق العمل البيئي في شمال وشرق سوريا، ومع ذلك فقد توصلنا إلى إدراك أنه لا يكفي ترك العمل البيئي في أيدي المدينة والحكومة المحلية فقط لهذا السبب نعمل حالياً على إنشاء ما يسمى بالمجالس البيئية في الكانتونات بمساعدة هذا الهيكل، نريد تنظيم العمل البيئي بطريقة أكثر اجتماعية. بالإضافة إلى ممثلي إدارة المدينة والإدارات البيئية، ينبغي أيضًا أن يصبح ممثلو الحركة النسائية أو النظام الصحي أو الهياكل التعليمية أو الزراعة جزءاً من هذا المجلس، لقد التقينا عدة مرات ونحن في طور البناء كمجرد توضيح جميع الأسئلة التنظيمية وصياغة مهامنا وأهدافنا، سنعلن عن تأسيس المجالس البيئية.
لا ترى الرأسمالية الطبيعة إلا كمورد يجب استغلاله وعواقب هذا المبدأ واضح للجميع اليوم، كيف يختلف مفهوم الطبيعة والبيئة في مفهوم سياسة الإدارة الذاتية عن مفهوم المنطق الرأسمالي؟
الفرق بين نموذجنا ومنطق الرأسمالية هو أننا نرى البشر كجزء من الطبيعة، على عكس المفهوم الرأسمالي الذي ينصب التركيز فيه على الإنسان فقط، يتم وضعها فوق الطبيعة ولا تُنسب إلى البيئة سوى قيمة مفيدة أو موجهة نحو المنفعة. عواقب هذه معروفة جيداً، لقد وصل تدمير الطبيعة إلى حالة لا تطاق في جميع أنحاء العالم، وهي تتراوح من تدمير الغابات وإزالة كميات هائلة منها إلى أطنان من النفايات البلاستيكية التي تهدد الكائنات الحية تحت وفوق البحار، وما نسعى إليه هو خلق توازن بين جميع الكائنات الحية، والاعتراف بقيمتها الجوهرية، وبناء اقتصاد وصناعة تأخذ حماية البيئة كحجر أساس ولا يحق لأحد أن يشكك في أهمية الطبيعة والبيئة.
الحرب والتهديدات مستمرة في شمال وشرق سوريا، هذا هو السبب في أن الكثير من الناس ليس لديهم وعي بالأمور البيئية. تشعر أن هناك مشاكل أكثر إلحاحاً. ما هو ردكم حول هذا؟ وما هو نهجكم لتنمية الوعي البيئي في المجتمع بشكل عام؟
بالطبع، استمرار الحرب له تأثير مباشر على عملنا ويخلق صعوبات كبيرة في إقناع الناس بالوعي البيئي، على خلفية الهجمات المستمرة، للمجتمع ببساطة لديه أولويات أخرى. نحاول مواجهة هذا من خلال التوضيح للناس في الاجتماعات الدورية في البلدية والمجالس. أن هذه المشاكل يجب ألا يتم استخدامها ضد بعضها البعض، وبالطبع الدفاع عن أراضينا هي أيضًا مسألة عسكرية، لكن إذا كنت تريد حماية جغرافيتك، فعليك أيضًا حماية البيئة والطبيعة، فكل شيء مرتبط ببعضه.
والمشاكل التي يسببها التلوث تؤدي إلى مشاكل صحية، وفي بعض الأحيان يمكنهم جعل مناطق بأكملها غير صالحة للسكن، هذه العواقب وخيمة مثل الآثار التي تسببها الحروب. هناك حاجة إلى الوعي البيئي في المجتمع حتى تتمكن الأجيال القادمة أيضًا من عيش حياة كريمة هنا، وبالتالي فإن الدفاع عن الثورة يقودنا إلى النضال من أجل العدالة البيئية.